اورشليم السمائية

اورشليم السمائية

تطلع الإنسان للحياة الأبدية

+ سقوط الانسان ونتائجه: منذ خلقة الإنسان فإنه يتطلع للحياة بعد الموت أى الحياة الخالدة. فقد خلق الله آدم ووضعه فى الفردوس " واخذ الرب الإله ادم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها" (تك2: 15) ولكن بمخالفة وصية الله طرد آدم وحواء من الجنة (تك 3: 24) وأغلق الفردوس كما أغلقت السماء فى وجه الإنسان بعد المعصية الأولى، ولكن الفردوس يعود ويفتح أمام الإنسان مرة ثانية بعمل المسيح الخلاصي بموته وقيامته الذى به صالح الإنسان مع الله "اذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله. متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح. الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه..." (رو3: 23 – 25).
قال القديس يوحنا ذهبى الفم (345-397م) : " مهما كانت خطايانا يمكن غسلها بالتوبة ، أما عندما نرحل فلا تنفعنا اعمق توبة."
+ الغربة على الأرض : الإنسان موجود على الأرض فى فترة غربة. والأرض ليست وطننا لكننا غرباء فيها. وهذا الشعور العميق بالغربة متأصل فى البشر منذ البداية. فيعقوب أب الآباء حينما مثل أمام فرعون مصر وسأله "كم هي ايام سني حياتك. فقال يعقوب لفرعون ايام سني غربتي مئة وثلاثون سنة قليلة وردية كانت ايام سني حياتي ولم تبلغ الى ايام سني حياة ابائي في ايام غربتهم" (تك 47: 8 ، 9) وداود النبى يصلى بانسحاق أمام الله " غريب أنا في الأرض لا تخف عني وصاياك" (مز 119: 19) ويقول أيضاً "استمع صلاتي يا رب وأصغ الى صراخي.. لأني أنا غريب عندك نزيل مثل جميع أبائي" (مز 39: 12) ويؤكد بولس الرسول غربة الإنسان فى العالم فى أكثر من موضع فى رسائله ، وهذه الغربة لجميع الناس" فإذا نحن واثقون كل حين وعالمون إننا ونحن مستوطنون في الجسد فنحن متغربون عن الرب.. فنثق ونسر بالأولى ان نتغرب عن الجسد ونستوطن عند الرب" (2كو5: 6، 8) والقديس بطرس الرسول يقول " أيها الأحباء اطلب إليكم كغرباء و نزلاء أن تمتنعوا عن الشهوات الجسدية التي تحارب النفس" (1بط2: 11).
قال القديس موسى الاسود" اذكر ملكوت السموات فى الصلاة ، تتحرك فيك شهوة البلوغ الى هناك."!
+ تشوق الإنسان للسماء: قد عبر بولس الرسول "فان سيرتنا نحن هي في السماوات التي منها ايضا ننتظر مخلصا هو الرب يسوع المسيح" (فى 3: 20) ويحث المؤمنين قائلاً: " فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. اهتموا بما فوق لا بما على الأرض" (كو3: 1 ، 2) فالسماء المقر الأخير للإنسان " لأننا نعلم انه ان نقض بيت خيمتنا الأرضي فلنا في السماوات بناء من الله بيت غير مصنوع بيد ابدي. فإننا في هذه أيضا نئن مشتاقين الى أن نلبس فوقها مسكننا الذي من السماء" (2كو5: 1 ، 2) 
قال القديس غريغوريوس الثيئو لوغوس( 329-390م) : "حينما اشاهد عظمة السعادة التى يربحها الانسان بالموت ، وتفاهة ما يخسره بفقدان الحياة ، لا أستطيع احتمال شوقى المضطرم الى السماء ، فأهتف نحو الله قائلاً : متى يا الهى تنتشلنى من هذه الحياة وتسكننى وطنى العزيز."!
+ غريزة الابدية : البشر جميعاً فى كل الاجيال منذ فجر التاريخ كانوا يؤمنون بفكرة الخلود وحياة بعد الموت ،فإن الله غرس عقيدة الخلود فى الانسان " جعل الأبدية فى قلبهم.." (جا 3: 11) انها غريزة الهية استودعها الله الانسان شأن بقية الغرائز. والحضارة المصرية الفرعونية اهتمت اهتماماً كبيراً بما بعد الموت ، حتى ان الحياة لم تكن الا التحضير للحياة بعد الموت ، لذلك كانت الانشاءات الفرعونية العظيمة من اهرامات ومعابد ومقابر للملوك ..الخ ليحفظوا موتاهم الى يوم البعث كما حنطوا جثث موتاهم انتظار ليوم قيامة الموتى فى البعث.لقد استقر الاعتقاد عند القدماء بوجود عالم اخر تعيش فيه الارواح مجتمعة بعيدة عن اجسامها وفيه يوزع العقاب والثواب طبقاً للسيرة التى سار عليها الانسان اثناء حياته.
+ الابدية فى صلوات الكنيسة : فى كل صلوات الكنيسة تعد وتنبه المؤمنين بالحياة الابدية ، وتطلب الكنيسة فى صلواتها من أجل الذين رقدوا لكى الرب يرحمهم ويسكنهم الفردوس ، كما تطلب صلوات وشفاعات القديسين المنتقلين ، ليرحمنا الله ويغفر لنا خطايانا ، حيث توجد صلة بين الكنيسة المجاهدة والكنيسة المنتصرة (صلاة اوشية الراقدين).
ومن صلوات الكنيسة يتضح ان عالم الارواح يشمل قسمين: 
قسم ارواح الابراراو المؤمنين الذين عاشوا حياة مقدسة وفى توبة  هو فردوس النعيم كما هو احضان ابائنا القديسين ، الموضع الذى هرب منه الحزن والكآبة والتنهد ونور القديسين ...الخ 
والقسم الأخر هو قسم ارواح الاشرار وغير المؤمنين وايضاً المؤمنين الذين لم يتوبوا وماتوا فى خطاياهم ، هو الجحيم او الهاوية موضع العذاب ومكان ابليس او الارواح الشريرة ..الخ 
وجود درجات متفاوتة فى القداسة والمجد.. للقديسين فى الفردوس  كما توجد درجات من العذاب والالم.. للاشرارفى الجحيم .
قال القديس يوحنا سابا(الشيخ الروحانى):"طوبى لمن انكشف له موطنه الابدى والى هناك التهب بالشهوة والشوق ، طوبى لمن اقتنى اعمالاً صالحة للبلد الابدى ، وجعل القديسين رفقاءه."
+ الابدية فى فى اقوال الاباء القديسين : الرأى الغالب فى اقوال الاباء القديسين هو ان النفس(الروح) تكون فى كامل شعورها واحساسها ، وهى مجردة من جسدها الارضى ، وذلك من اجل طبيعة الخلود الملازمة لها . فأن كانت عملت الصالح فى الحياة تنمو وتتقدم اكثر فى الصلاح بعد الموت . وان كانت قد عمات السيئات فى الحياة تنمو وتتزايد فى التعاسة ، بدون امكانية تحويل الاتجاه الذى اتخذته لها فى الحياة الزمنية .
قال القديس اغسطينوس(354- 430 م):" ان الفترة التى بين الموت والقيامة تكون الارواح فيها فى مكان غير منظور ، وتلقى كل روح هناء او شقاء حسب اعمالها."
+ الأشواق للوطن السماوي : قال القديس كبريانوس (؟- 258م) :
" لنضع نصب أعيننا باستمرار ونفتكر من الآن أننا سنترك العالم وأننا فى الوقت الحاضر نعيش هنا مجرد غرباء ونزلاء ، فلنحيي ذلك اليوم الذى سيخرج فيه كلاً منا ويعود إلى وطنه الذى يجذبنا ونشتاقه ، أن نتحرر من فخاخ العالم ونعود إلى الفردوس والملكوت السماوي ، من هو الذى يكون غريباً فى أرض ولا يبادر بسرعة للعودة إلى بلده ؟ من الذى لا يريد أن يسرع للقاء أحباءه الذين سبقوه. لكي يعانق أولئك الأعزاء على قلبه ؟ إن الفردوس هو وطننا ورؤساء الآباء البطاركة هم آباء لنا فلما لا نسرع نحو وطننا. أعداداً غفيرة من الأعزاء ينتظروننا ، وحشد كبير من الآباء والأخوة يتوقون للقائنا ، لقد سبقونا الى مرفأ الطمأنينة ، مازالوا متلهفين على خلاصنا ؛ لكى نلحق بهم ونكون معهم إلى الأبد ، فيا للبهجة لهم ولنا معاً ." !

هناك تعليق واحد: