اورشليم السمائية

اورشليم السمائية

الحياة المتوسطة

اعداد: ميشيل نجيب دميان 

مكان  الروح بعد اطلاقها من الجسد :
مكان انتظار مؤقت : المكان الذى تذهب اليه الروح بعد انفصالها من الجسد ليس هو الملكوت ولا جهنم ، ولكنه مكان متوسط او حالة متوسطة بين الحياة الدنيا والحياة الأبدية ، تذهب اليه  روح الأنسان وتنتظر فيه حالة انتظار ( الحياة المتوسطة ) حتى يوم القيامة العامة ، وتشمل الفردوس او السماء الثالثة للأبرار والجحيم أو الهاوية للأشرار.
+مكان الابرار:  فالذين فى حالة حياة التوبة يذهبون الى الفردوس يتمتعون فيه بالراحة وعربون السعادة " فأعطوا كل واحد ثياباً بيضاً وقيل لهم أن يستريحوا زماناً يسيراً حتى يكمل العبيد رفقاؤهم" (رؤ 6 :١١) " طوبى للأموات الذين يموتون فى الرب منذ الأن نعم يقول الروح لكى يستريحوا من اتعابهم واعمالهم تتبعهم." (رؤ ١٤ : ١٣ ) وهناك ينتظرون حتى القيامة العامة حين تتحد الأرواح بأجسامهم التى كانت لهم " فيخرج الذين فعلوا الصالحات الى قيامة الحياة ..." ( يو 5 : ٢٩ ) ويسمعون صوت الديان العادل قائلا لهم " تعالوا يا مباركي ابى لترثوا الملكوت المعد لكم منذ انشاء العالم ." (متى ٢٩ : ٣٤ )  وبهذا النطق الألهى يحصلون على المكافأة التامة والجزاء الكامل ويحق لكل واحد منهم اذ يقول مع بوس الرسول "جاهدت الجهاد الحسن اكملت السعى حفظت الإيمان واخيراً وضع لى اكليل البر ." (٢ تيمو ٤ : ٧ )
+مكان الاشرار: والذين يموتون فى الخطية وغير المؤمنين يذهبون الى الهاوية وفيها يشعرون بتأنيب الضمير والعذاب النفسى لان الله "يحفظ الأثمة الى يوم الدين معاقبين.."(2بط2: 9) وهناك ينتظرون حتى القيامة العامة حين تتحد الأرواح بأجسامهم التى كانت لهم حتى القيامة العامة " فيخرج الذين عملوا السيئات الى قيامة الدينونة" (يو ٥ : ٢٩ ) ويسمعون صوت الديان العادل قائلا " اذهبوا عنى يا ملاعين الى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته´." ( مت ٢5 : 41) وتبعا لهذا تقوم الخليقة كلها فى يوم القيامة العامة لتقف امام الديان العادل لينال كل انسان جزاء ما عمل خيراً كان ام شراً "فيمضى الأشرار الى اعذاب الأبدي واما الأبرار فالي الحياة الأبدية." ( مت ٢٥ : ٤٦ ) وهكذا يتضح ان الأرواح فى العالم الأخر او عالم الأرواح تكون منحصرة فى مكانين للانتظار لا ثالث لهما هما : الفردوس حيث مقر الأرواح الصالحة ، والجحيم او الهاوية حيث مقر الأرواح الشريرة .قال القديس اغسطينوس " ان الفترة التى بين الموت والقيامة ، تكون الارواح فيها فى مكان غير منظور ، وتلقى كل روح هناء او شقاء حسب اعمالها ."
الحياة المتوسطة :
 ما بين الموت والدينونة :ان حياة الذين فارقوا العالم الحاضر هم الأن فى عالم الروح أرواحاً بغير اجساد وسيظلون كذلك حتى يوم القيامة ، والحساب العظيم او هى حياة الكنيسة المنتظرة ، فى فردوس النعيم ، وقد أمر الله لهم بمقر راحة مؤقت بغير حساب الى يوم الحساب  .
 وان الأرواح الشريرة يؤمر لها بعد خروجها من الجسد بمقر عذاب مؤقت هو الجحيم تبقى فيه معذبة عذابا نفسيا قوامه عذاب النفس على النفس. من غير حكم الله بعد ،  منتظره حكم الله العادل فى يوم الحساب الذى لم يأت زمانه بعد . وعندئذ يحكم عليها بالعذاب الآبدى روحاً وجسداً فى جهنم النار .
أما الأبرار فيدخلون بعد الحساب العظيم روحاً وجسدا الى الملكوت المعد لهم منذ انشاء العالم ليكونوا فى حضرة الرب كل حين يشخصون فيه شخوصاً دائماً ويعاينونه معاينة ابدية .
لذلك فان الحياة المتوسطة هى حياة وسط بين حياتنا فى الدنيا وحياتنا فى الأخرة اذ تعتبر مرحلة انتقل تنتظر فيها الروح الى يوم الدينونة الرهيب . ويمر فيها الإنسان بحالته الطبيعية دون ان يفقد شخصيته  ، نجد انه يكون فيها روحاً بدون جسد مادى . ان حياة الإنسان تتقسم الى ثلاثة فصول تبتدئ بالحياة الأرضية وتليها الحياة المتوسطة وتنتهى بالحياة الأبدية التى تظهر مصيرها الدينونة وهى اهم حادث تختم به الحياة المتوسطة .
حالة الأرواح فى عالم الارواح او الحياة المتوسطة :
فى الفردوس تكون الأرواح الصالحة مستبشرة فرحة اذ تشعر انها نالت عربون السعادة لليوم الأخير . بخلاف ما تكون عليه الأرواح الشريرة فى الهاوية تعانى من تبكيت الضمير والام مضنية نتيجة ما قدمته من شرور ومفاسد فى الحياة الدنيا ، ولما تتوقعه من عذاب المصير . أنها أرواح حية حرة طليقة خالية من قيود الجسد ، فصارت أكثر حرية وأكثر نفاذا ولا يعوقها معوقات ولا تعترضها اعتراضات ولا أتعاب الجسد من أى نوع  "وسمعت صوتا من السماء قائلا لي اكتب طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن نعم يقول الروح لكي يستريحوا من أتعابهم  واعمالهم تتبعهم"(رؤ 14: 13).
هل توجد دجات فى الفردوس ودرجات اخرى فى الجحيم ؟
درجات مختلفة: فى الحياة المتوسطة توجد درجات مختلفة من السعادة او التعاسة بحسب استحقاقات الأعمال الصالحة او الذنوب . إن المؤمنين فى الفردوس يكونون فى درجات متباينةهى السماء التى وصفها المسيح له المجد " فى بيت أبي منازل كثيرة" (يو14: 2)  كل حسب القامة التى بلغها بالنعمة بإكمال سعيه على الأرض "لان نجما يمتاز عن نجم في المجد" (1كو15: 41) ونستطيع أن نستشف ذلك من إجابة الرب يسوع على سؤال تلاميذه (من هو الأعظم فى ملكوت السموات) بقوله  "فمن وضع نفسه مثل هذا الولد فهو الأعظم في ملكوت السماوات" (مت18: 1-4)
+ أن كل من من رحل الى الفردوس هو فى نفسر اللحظة فى امتلاك لكل امكانيات وفى استخدام لكل مقدراته وفى شعور تام بكل ما يدور حوله . حتى ان حقيقة بل اقوى حقيقة . ليست اقل سموا بل اكثر سموا من حياتنا الأرضية التى يسودها الضعف ويشوبها الارتباك وتحدها جدران الجسد الواهن .  
الصلة بين عالم الارواح او المنتقلين والعالم الارضى او البشر:
+ صلة قوية :ان الصلة بيننا وبين الذين انتقلوا الى العالم الأخر او عالم الأرواح وسبقونا الى العالم الأخر وهم اباؤنا وخواتنا فى الله وفى المسيح اخوتنا فى الإيمان وفى الكنيسة اننا وهم فى بيت واحد " لذلك نحن ايضا اذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا لنطرح كل ثقل و الخطية المحيطة بنا بسهولة و لنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع امامنا" (عب ٢ : ٢ ) لكن انهم ارتقوا الى الطابق الأعلى من بيت الله ومازلنا نحن فى الطابق الأرضي . ومع ذلك لسنا بعيدين عنهم ولاهم بعيدون عنا ، فهم يصلون من اجلنا الي الله ونحن نصلى من اجلهم وهم يعرفون متاعبنا وظروفنا لانهم منا .     
المساعدة والمعونة : احيانا يأتى احبائنا واقاربنا من العالم غير المنظور وكذلك القديسين في فترات من الزمن ليعاونونا ويحمونا. ولكن الملائكة تفعل ذلك فى كل وقت وانما لم يسمح لهم ان يظهروا انفسهم لنا الا فى بعض اوقات وفى حالات الضرورة الخاصة جدا٠ (مثل ظهورات السيدة العذراء والقديسين ) وبطرق لا تدركها افهامنا يؤثرون فينا بأفكار مقدسة ويوجهون  قلوبنا نحو الله والسلوك الحسن ، ويتمم روح الله فى قلوبنا عملهم هذا لتكميل حياتنا الروحية.  وان الصلاة من اجل المنتقلين تعبير عن محبتنا لهم واهتمامنا بهم .
+ ولكن هل هم بحاجة الى صلواتنا من اجلهم ؟
نعم فأننا نذكرهم بالخير فى صلواتنا ونترحم عليهم ، ان الابرار المنتقلين هم مقبولون ومع ذلك ليسوا كاملين . لقد خرجوا من الجسد منتصرين او ناجحين ، ومع ذلك لا تخلوا حياتهم من خطايا صنعوها بغير ارادة او بغير معرفة نتيجة نسيان او غفلة او توان ..وطال ما ان يوم الدينونة لم يأت زمانه بعد ، ومادام عهد الرحمة ممتدا الى يوم الدينونة فالشفاعة لها قيمتها ولها عملها ولها مجالها ولها جدواها .
على ان مساعدة اهل الأرض للمنتقلين لا يقتصر على الصلاة عنهم ورفع القرابين وذبيحة القداس ..وانما ايضا بأعمال الرحمة التى تقدم باسمهم للفقراء ولليتامى وللأرامل وللمحتاجين ..
+ اذن يجب ان نطلب الرحمة للمنتقلين كما انهم بدورهم يطلبون رافة الله بنا فبالصلاة ترتبط الكنيسة الأرضية المجاهدة بالكنيسة العليا المنتصرة . الكنيسة المنظورة بتلك غير المنظورة  الأرض بالفردوس والأحياء بالجسد بالأحياء بالروح.
+ ولا يقصد بالصلاة من اجل المنتقلين تخليص نفس خاطئة من الهاوية فليست هناك علاقة بين الأبرار والأشرار .
الحياة المتوسطة فى صلوات الكنيسة : 
+  مكان انتظار : تعتقد الكنيسة الجامعة الرسولية شرقا وغربا على ما جاء فى الكتب المقدسة : أن الأرواح لا تنال ثوابها أو عقابها على أثر انفصالها من أجسادها بل تأخذ عربوناً فقط من السعادة إذا كانت صالحة ، أو من التعاسة إذا كانت خاطئة وتستمر فى مكان الانتظار بهذا الوضع إلى يوم القيامة حيث تلبس أجسادها التى تنال معها ما تستحقه من ثواب كامل أو عقاب شامل لأن عدالة الله لا ترضى أن تسعد الروح أو تشقى قبل أن تتحد بجسدها الذى كان شريكاً لها فى عمل الخير أو الشر على الأرض.
+  الصلاة من اجل المنتقلين : ولذا ترفع الكنيسة الصلوات لله ،  فى أوشية الراقدين من القداس الإلهي ، طالبه منه أن يعطى نياحاً ويحسن المكافأة العتيدة لا للخطاة الذين ماتوا بخطاياهم الجسيمة وساروا بسيرة غير مرضية ، بل للذين ساروا بسيرة صالحة مقدسة ولكنهم كبشر ضعفاء قهرتهم الخطية فوقعوا فى السهوات والخطايا المستترة التى ذكرها داود النبى صارخا مستغفراً "السهوات من يشعر بها من الخطايا المستترة أبرئنى" (مز19: 12) لأن السهوات وإن نسيها من صنعها فهى ليست منسية أمام الله بل لا بد وأن يدين عليها لأن جهله بها ليس بعذر "إن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا" (1يو1: 8) فإن الإنسان لا يخلو من الخطية ما دام لابساً الجسد الترابي مهما تناهى فى الصلاح.
+  ليس موت بل انتقالفى صلوات الكنيسة لا تطلق كلمة الموت على الأبرار بل كلمة الانتقال كما فى أوشية الراقدين من القداس الإلهي (لأنه لا يكون موت لعبيدك بل هو إنتقال).
+  نياحة المؤمنين : تطلق الكنيسة كلمة (تنيح) على الأبرار الذين رقدوا فى الرب والنياح كلمة سريانية الأصل وليست عربية ومعناها (الراحة) ولذلك إذ قلنا أن شخصاً (تنيح) فالمعنى أنه (استراح بموته) ولما كان الموت بالنسبة للقديسين راحة لهذا يقال عن القديس عندما يتوفاه الله أنه (تنيح) أى أنه رقد فى الرب مستريحاً ، أو أنه استراح من أتعابه فى العالم الحاضر بانتقاله إلى العالم الآخر وهو دار الخلود.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق